السبت، 8 أبريل 2017

في نظرة الآخر لنا ونظرتنا لأنفسنا

تقوم فكرة الاحتلال على تدمير التراث الثقافي والحضاري والتاريخي للشعوب المحتلة... لتبرير تصدير الثقافة "المتقدمة" لهم وهم على أرض الواقع لا يقومون إلا بتدمير ثقافة الشعوب وحضارتها...
فما يهدف إليه الإحتلال هو إبقاء هذه الشعوب دون أي شكل من أشكال الثقافة او الحضارة، وإنما نزعها منهم وإبقائهم دون هوية حضارية.
وهم في ذات الوقت ينظرون إلى الشعوب "في العالم الآخر" نظرة دونية نظراً لاعتقادهم بـ"تفوق عرقهم الأبيض" ويتجلى ذلك في الاحتلال الصهيوني لفلسطين حيث يُنظر الى الشعب الفلسطيني على أنهم كائنات شبه حية (زومبي) وأنها أرض مفرغة من الإنسان... واستخدم هذا التبرير في كثير من المجازر وعمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية، وحتى استخدام عبارة "أرض بلا شعب" ويكأنه تعبير عن عدم وجود الإنسان على أرض فلسطين وكانت هذه العبارة احد أهم المبررات التي سمحت بعمليات الهجرة إلى فلسطين وإقامة وطن قومي لليهود فيها.
كما يُنظر كذلك إلى الحضارة الإسلامية على أساس أنها حضارة الهمجيين وان الاعتزاز بها ما هو إلا شكل من أشكال التخلف والرجعية.
عندما ينظر إليك "الآخر" بهذه النظرة لا ضير في ذلك فأنت تمثل له حالة من حالات العداء الدائمة منذ عقود، ولنقل بأنه يريد التخلص منك بأي طريقةٍ كانت، إلّا أن الأسوء من ذلك هو أننا كـ"شعوب عربية" انعكست علينا هذه النظرة باتجاهين:
الأول: أصبحنا نؤمن بتلك النظرة الدونية إلينا.. وتتعمق نظرتنا الدونية إلى أنفسنا لننظر إلى كل ما هو "غربي" على أساس أنه التقدم والحضارة... وأن ما يأتينا من خلالهم هو ما يتوجب علينا القيام به...
رغم إدراكنا أن الغاية من حضارتهم تختلف تماماً عن الغاية من حضارتنا... وأن الهدف من حضارتنا مختلف تماماً عن حضارتهم، فمركز حضارتنا هو "الإنسان" والرقيُّ به، فلذلك يختلف تعاملنا مع الأدوات فيما حولنا، كما أن حضارتهم تتمركز حول الفرد، أما حضارتنا فتنظر نحو المجموع دون أن تهمل الفرد.
وثم نصبح نقتبس الأشياء بأشكالها ودون عمقها الحضاري... ودون أن نضيف لها توجهاتنا الحضارية المركزية، لتصدر إلينا مزيداً من الفرقة ولتدمر مزيداً من حضارتنا وثقافتنا...
والثاني: أصبحنا ننظر إلى بعضنا البعض بهذه النظرة الدونية... التي سعى الاحتلال بكافة أشكاله لتعميقها بيننا... فأصبحت كل "قومية" تنظر إلى الأخرى على أساس أنها أدنى منها ثقافةً وحضارةً وتقدماً...
بل يتجاوزنا الأمر لنصف بعض القوميات بـ"التخلف" أو "الغباء" أو "الكسل"، تماماً كما يقوم المحتل بوصفنا والتعامل معنا...
وننسى أو نتناسى أننا باختلاف أجناسنا وقومياتنا وألسنتنا وألواننا ساهمنا في بناء حضارتنا الإسلامية، لمدة تزيد عن أربعة عشر قرناً، في الوقت الذي كانت تسبح به الدول الأوروبية في مستنقع الحروب والجهل، وهنا يظهر الفرق جلياً بين فتوحاتنا الإسلامية والتي كانت تصدر العلم والنور والعقل للمجتمعات باختلافها وبين الإحتلال الذي يحاول تجهيلنا يوماً بعد يوم...
لم تكن الشعوب العربية والإسلامية يوماً دون حضارة، ولم تكن كذلك شعوب همجية، فدعونا لا نؤمن بما يقولوه عنا، بل أن نعيد بناء حضارتنا تلك الحضارة التي وسعت العالم أجمع في يومٍ من الأيام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق