الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

قَليلٌ مِنَ الحُّريَّة كثيرٌ مِنَ الإِنسانيَّة: مِن مُذَكراتي #3




اليوم الثالث: الخميس 15\11\2012
 

ثلاثة هم رفاق كفاحي أو بالأحرى رفاق ثورتي،هم: أختي "عهود"، صديقتي "فاطمة"، وحقيبة العمليات الخاصة.
تعرفتم على "عهود" و"فاطمة" أما "حقيبة العمليات الخاصة" فهي حقيبة ظهر ابتعتها من تركيا، كنت أضع فيها التالي: الماء والخميرة -وقد أثبتت فعاليتها لعلاج الغاز المسيل للدموع-، البصل، كحول، شاش، مسحات كحولية، لصقات جروح، لاصق طبي، قناعات، وبيبسي (والذي يستخدم أيضاً لعلاج الغاز المسيل للدموع)، يعني اسعافات أولية.
في هذا اليوم خرجت أنا و"عهود" أما "فاطمة" فوصلت متأخرة.
بدأت المظاهرة في تمام الساعة السابعة، وفي تمام السابعة وعشر دقائق كانت عمليات القمع قد بدأت واليوم كانت شرسة جداً فقد لا حقنا الدرك بين البيوت، وفي الشوارع الضيقة لرمي الغاز المسيل للدموع علينا.
عندما بدأت المظاهرة كانت خلفي إمرأة مع ابنتيها وابنها، وكنت قد أخبرتهم بمجرد سماعكم صوت مثل الطخ، غطوا أنوافكم واهرباوا ولم أنهي حتى طبقوا ما قلت، دعني أقف هنا قليلاً وأسألك: لماذا يا ترى إمرأة تعرض أبنائها للخطر وتخرج لتتظاهر معهم؟؟ إنها تعلمهم الحرية على أرض الواقع لا مجرد كلمات تتلوها عليهم قبل أن يناموا
ولماذا يا ترى خرجت بأهل بيتها؟؟ لأنها ضاقت عليها الحال فلم تعد تحتمل أن تصمت بعد اليوم، وأرادت أن يسمع كل العالم صوتها، أعتقد أن أولاد هذه المرأة لن يعرفوا يوماً ذلاً فقد أذاقتهم أمهم طعم الحرية.
 وما ان دخلت أول شارع حتى شاهدت فتيات على الأغلب أنهن من الاتجاه اليساري على الأرض غير قادرات على التنفس وعيونهم حمراء، فما كان مني إلى أن أخرجت علبة الماء والخميرة وبدأت برشها على وجوههم لتيحسنوا، اما عهود فقد كانت على بعد أمتار مني وتناديني، وحقيقة لم أعرها أي انتباه لسبب بسيط أني مشغولة بهم، وعندما انتبهت كان الدرك على بعد أمتار مني وكانت تحاول تحذيري، فأمسكت يدها وركضنا، واختبئنا خلف سيارة ولكن قنابل الغاز المسيل للدموع كانت تنهال علينا من كل جانب، فاضررنا الهرب أكثر، في أثناء ركضنا وجدنا مجموعة من الشباب، فعلياً أجمل شعور قد تشعر به في مثل هذه المواقف هو تلك المشاعر الأخوية التي تعالت فوق كل حدود التمييز وتوحدت تحت راية الوطن، لا أعرف هؤلاء الشباب وهم كذلك لا يعرفونني، لا أعرف اتجاهاتهم ولا أعرف أفكاره وانتمائاتهم ولكني أعرف عنهم حقيقة واحدة أنهم خرجوا وأتوا إلى هنا لسبب واحد هو "الحرية"، ومن يطلب "الحرية" يتخلق بأخلاقها.
 ولكنهم كانوا حريصين على أن لا يصيبنا أي أذى وأنا كذلك كنت فقد كان أحدهم غير قادر على الرؤية من الغاز فقلت له أن يخلع نظاراته ورششت الماء والخميرة على وجهه ولكن الرشاش خانني هذه المرة ولم يرش فيبدو أنه تعطل، وكان الدرك خلفنا فقال لي: "امشي بعدين بترشي"، وعندما ابتعدنا قمت بفتح العبوة ووضع الماء والخميرة بين يديه ليمسح وجهه.
توجه الشباب الذين معنا ودخلوا لصلاة العشاءوقالوا بعد الصلاة نعود، فبقيت أنا و"عهود" خارج المسجد ننتظرهم، فلما تأخروا قررنا الاتجاه نحو شركة المياه في جبل الحسين وكلما توجهنا نحو شارع وجدنا الدرك فيه ويلقون الغاز المسيل للدموع على الناس، حتى أن المارة قد اختنقوا من رائحة الغاز ويقال أن الغاز قد دخل البيوت هناك وهذا منطقي فقد رموا غاز يكفي أن يخنق الأردن بأكملها، في أثناء مسيرنا وجدنا فتيات يتجهن إلى ذلك الاتجاه فمشينا سوياً وعندما وصلنا الشارع الرئيس كان الدرك يمشي للأعلى وقد حاصر الشباب من جهتين، لم أخف يومها رغم تحذيرات الشباب وتحذيرات "عهود" التي ترافقني طوال الطريق، ولكنني أخبرتها أنني جئت لأجل "وطني" فلن أعود.
يبدو أن " الخوف" وضعناه في بيوتنا قبل ان نخرج فلم نخاف أو نهاب من "الدرك" أو غيرهم بل كنا على استعداد تام لنموت ولا نأبه مادام أننا سنحيي "وطناً"، وماهي إلا دقائق معدودة حتى تجمع الشباب مرة أخرى لنعاود الهتاف، وليعود الدرك ويستخدم نفس الأساليب الرخيصة، ولكن ماذا يفعلون بشباب عشقوا "الموت" كعشقهم أن "يعيشوا بكرامة" فكلاهم متساوٍ عندهم، فما معنى أن نحيا بـ"ذل"؟؟ ويكمن سر الحياة في أن نحيا "كراماً"
قبل أن نتجمع مرة أخرى وصلت "فاطمة" وكلمت صديقاً لنا فأخبرها بانهم توجهوا نحو "الديوان الملكي" حاولنا اللحاق بهم ولكنهم كانوا يتقدمونا بكثير، فكلمت صديقاً آخر وهو أحد الشباب المشاركين معنا، فأخبرني أنهم قد تجمعوا في "جبل الحسين" فذهبنا إليهم، واستمرت كما العادة عمليات "الكر والفر" إلا أن قررنا اللحاق بمن ذهب إلى الديوان، وفعلاً بدأنا المسير، وما أجمل أن تمشي بين الأحياء وأنت تهتف، فأنت "تحيي" أناساً، نسوا معنى أن يحيوا "كراماً".
في أثناء المسير وعلى شارع الأردن بالذات مرت ثلاث مدرعات للدرك، وكلمنا صديقنا الذي وصل الديوان وأخبرناه بأن "القوات الخاصة" قد أتت إلى منطقة الديوان، ولم نخف أيضاً وواصلنا المسير إلا أن وصلنا هناك، إلى "الديوان الملكي، وعينك ما تشوف إلا "النور".
قد تشعر نفسك في ساحة للقتال ولكنك أبداً لن تشعر أنك في وطنك، فهل يعقل أن يقتلك وطنك؟؟ هل يعقل أن يتحول وطنك إلى سجنٍ كبير؟ هل يكون وطنك مقبرة الحرية؟
هي كأرض المعركة، ولكنها معركة بين ظلم وحرية، بين كرامة وذل، ولكن للأسف أنها بين أبناء الوطن الواحد، يعيشون على نفس الأرض ويتنشقون نفس الهواء، حتى انهم يسجدون على نفس التراب ويرفعون أيديهم إلى نفس السماء.
كنا فعلياً في منطقة كالوادي، من أعلى الجبل هناك "بلطجية" يرموننا بالحجارة، وبعيني رأيت سيارات الدرك تمر من خلفهم لتنزل من الجهة الأخرى ويبدأ حصار من ثلاث جهات من الأمام والخلف والمنفذ الوحيد غير الشارع الرئيسي أيضاً مغلق بقوات الدرك، قبل أن يبدأ الهجوم الأخير أخبرت "فاطمة" أنني وعهود قررنا أن نعود للمنزل فقد تأخر الوقت، وانطلقنا من الجهة المعاكسة ولكن على الشارع الرئيس فوجدنا قوات الدرك تمطرنا بقنابل الغاز والمرور من هناك شبه مستحيل، عدنا إلى "فاطمة" وأخبرناها الخبر، بقيت هي مكانها واخترنا أن نغادر من الشارع الفرعي، وما أن مشينا به إلا وقوات الدرك تمطرنا بالغاز المسيل للدموع، سألت أهل البيوت هناك إن كان هناك منفذ فأشاروا إلى درج يقودنا إلى الأعلى.
صعدت الدرج أنا وعهود، ويبدو أن درج يؤدي إلى درج، لم أكن أعرف المنطقة، مما فرض علينا أن نسأل كلما مررنا من شخص، كان هناك شاب يجلس على عتبة الدار وينهي سيجارته سألته عن الطريق، فجاء صوت من خلفي يقول:
"تعالي يا أختي، أنا بعرف الطريق، امشوا معي"
كان هناك تنبيه عن اعتقالات تتم من قبل مدنيين، ولا أدري لماذا وثقت به ولكن يبدو أننا تنشقنا نفس ريح الحرية، فشعرت بحريته، فوثقت به، مشينا معه وكان معه مجموعة من الشباب لا تتجاوز الخمسة، وما أروع روح الشباب!
أو أن شباب وطني يملكون روحاً محلقة، تسمو على كل المعاني الأرضية، فكان أحدهم ينشد "يا يما عتمات السجن" لفريق الوعد، وما اجمل ذلك الصوت الذي صدح بكل الحب والحق، والذي أضحكني أنه لم يكن قربنا غاز مسيل للدموع، ولكنهم كانوا يشمون البصل وكانهم يحملون ياسميناً، ويبدو أن البصل هو ياسمين وطني.
وصلنا إلى طريق مغلق وعلى يمينه درج ، فأخبرت الشاب بأننا سنخرج من هنا إلى الشارع الرئيسي، فسألني أين نسكن وأخبرته، فقال لي أنكم تسكنون قربنا لا بأس سأوصلكم، فكرت كثيراً قبل الرد، وأكثر ما خفت منه هو الاعتقال، همست في أذني عهود، وقالت: تأخر الوقت كثيراً، لا بأس إن أوصلنا فوافقت.
عندما ركبنا في السيارة طلبت منه أن يعرفني عن نفسه إن أراد فوافق وعرفته عن نفسي، طوال الطريق لم ينطق أحدنا بحرف واحد، كان الصمت هو سيد الموقف، ربما أن كل منا حلق بأفكاره لما حدث، أو صابته صدمة فكرية، أو أنه يعيد حساباته، ولكن ما كنت واثقة منه أن كل واحد منا كان في عالم مختلف.
عندما وصلنا البيت شكرته على ذلك، فقال لي: انتو يعطيكم العافية، كنت أتوقع أن يلومنا ولكنه شكر ذلك فينا، على الأقل بدأ شباب وطني يتقبلون وجودنا كـ"فتيات" إلى جانبهم لنحصِّل حقوقنا جنباً إلى جنب، وأن هذا الوطن وطننا جميعاً باختلافنا وعلينا جميعاً أن نكون يداً واحدة لنحصل على "بقايا كرامتنا".
انتهى هذا اليوم بقسوته، وهل تعلم مقدار الجرح الذي تزرعه الأم في قلب طفلها؟؟ هو نفس الجرح الذي زرعه وطني في قلبي، جرح أعمق من أن يؤلم فهو وصل مرحلة النزيف، نعم لقد كان وطني يؤلمني، بسبب وطني بكيت، بسبب وطني انتفضت وكان لدي إصرار لأكمل الطريق، هم لم يعرفوا يوماً حب الوطن أما نحن فعشقنا الوطن عشقاً حتى أصبحت ذرات أجسادنا تهتف باسمه، وأرواحنا سكنت أرضه قبل سماه.
عندما علمت أمي بما حدث معنا قررت "أنه لا مسيرات بعد اليوم" وقرار مثل هذا بالنسبة لي أن تمنع عني الهواء، فالحرية هي هواء الروح، وبقيت إلى وقت متأخر احول إقناعها حتى يبدو أنها وافقت مضطرة، أو تحت ضغط كبير مني.

الجمعة، 15 نوفمبر 2013

قَليلٌ مِنَ الحُّريَّة كثيرٌ مِنَ الإِنسانيَّة: مِن مُذَكراتي #2



اليوم الثاني: 14\11\2012 الأربعاء
لأجل الحرية والكرامة، لأجل الوطن، لأجل المعتقلين، وقبل ذلك لله، فهو من قدر أن أكون مجازة في هذه الفترة لأشارك في تحرير وطني، خرجت من المنزل وقد أخبرت أمي أن لا تسأل عني فأنا ذاهبة للوطن.
قبل أن نخرج للمسيرة كان هناك اجتماع لدي الساعة 3 وكانت الأنباء تتضارب على وقت المظاهرات بين الساعة الرابعة والسابعة إلى أن كلمتني "آمال" وأخبرتني أن سلطان العجلوني قد كتب على صفحته أنها في السابعة.
لا أذكر يومها أنني فقهت في الاجتماع شيئاً، فالوطن بالنسبة لي أكبر من استيعابي ولا أذكر أن هاتفي المحمول قد صمت، وتوالت المكالمات لترتيبات الخروج بينما كانت "عهود" تنتظرني في نفس المكان ولكن خارج الاجتماع، وكانت هي أيضاً كانت ترن علي لنذهب ومضى الوقت وانتهى الاجتماع وكان بالنسبة لي قرناً من الزمان.
خرجت أنا وعهود وفاطمة، وكان على الفيس بوك قد أخبروا بأغلاق دوار الداخلية بالدرك والدبابات ومنع المواطنين حتى من السير فيه، وأن علينا أن نعتصم حيث توصلنا أرجلنا، وفعلا وصلنا دوار الداخلية من عند شارع الاستقلال.
في الطريق إلى هناك التقينا بفتاتين وهن صديقات أختي "عهود" فسألناهم عن الوضع، لإجابتا بأنهن كانتا في منطقة فندق الريجنسي وكان الوضع ما بين كر وفر حتى تفرقوا، فما كان جوابنا إلا: اذهبوا يا رفاق فقد حان دورنا.
حين وصلنا هناك كان عدد الشباب بالعشرات والفتيات والله أعلم لم يتجاوزوا العشرون، وبدأ الشباب بالتجمع أكثر، العجيب والذي كان دوماً يثير استغرابي عندما يكون المتظاهرون بالعشرات على سبيل المثال فلم يكون عدد الدرك بفوقهم مرات بمرات؟؟ ولم يستخدمون ضدهم أسوء وسائل التفريق؟؟
هل يستحق الشعب من حكومته هذا الشيء؟؟
كلمتني صديقتي وهي قرب دوار الداخلية من جهة جبل الحسين وأخبرتني ان هناك كر وفر بين الدرك طبعاً والمتظاهرين فقلت لها ان استطعت تعالي إلى هنا لنكون معاً وفعلاً أتت هي وأختها.

وبينما نحن نهتف إذ بسيارة الماء "المضغوط" تقترب منا، فعدنا إلى الخلف حتى يستطيع الشباب الهرب، والذي حدث هو رش المتظاهرين بالماء ورش الغاز المسيل للدموع، لأول مرة في حياتي أمر في هذا الموقف وربما إيذائه النفسي أكبر من الجسدي، فلم يقوم أبناء وطني وهم إخوتي بفعل هذا بي؟؟
ألم نخرج لأجل بقايا كرامة أضعناها؟؟
لم أعرف كيف نتعامل مع الغاز المسيل للدموع ولكني عرفت أنه ينبغي علي أن أغطي أنفي وفمي وفي أثناء ركضنا كان الشباب يصرخون بصوت عالي، لا تفركوا أعينكم بأيديكم، لاتضعوا الماء على وجوهكم، وكانوا ينادون من هم في المنازل ليعطونا البصل، كانت معنا فتاة تسمى "أسحار" وهي صديقة لفاطمة ثم أصبحت صديقة لي أيضاً، كانت قد استنشقت الكثير من الغاز المسيل للدموع فعاوننا الشباب بأن أعطونا البصل لنعالجها، وتحسنت بفضل الله، الغريب أن البصل الذي طالما أن كان سبباً في دموعنا هو اليوم يمسحها.
وماهي إلا دقائق معدودة وبدأ الشباب يهتفون "ارجع،ارجع" وعدنا اجتمعنا معاً، وصلى الشباب العشاء في الشارع، وهو أجمل منظر قد تراه عيناك، فقد تلحف الشباب تراب الوطن، وأعلنوها من هاهنا أننا نعشق ترابك كما أمرنا ربنا.
 وقرر الشباب وقتها أن نذهب لجبل الحسين لننضم إلى المسيرة التي كانت هناك لانها أكبر وما إن بدأنا المسير حتى بدأ الدرك بضرب الشباب ورمي الغاز المسيل للدموع، ركضنا جميعنا نحو الأسفل، واختبئنا نحن الفتيات في ساحة أحد العمارات، ثم جاء النداء "ارجع...ارجع" فعدنا أما هذه المرة فقرر الشباب أن يصلوا دوار فراس ولكن بطريقتهم فسرنا بعكس اتجاه الدرك اي نحو أسفل شارع الاستقلال، ودخلنا جبل الحسين من الاسفل وجبناه حارة حارة ونحن نهتف لأجل الوطن أما أحب الهتافات إلى قلبي فقد كان:
حرية من الله غصبن عنك عبدالله
هي يالله وهي يالله وما بنركع إلا لـ"الله"
ووصلنا دورا فراس ولو رأيت المنظر الذي رأيت لظننته بلداً مهجوراً تركه أهله ورحلوا، الشوارع فارغة إلا من الدخان، حتى لا أذكر أن الشوارع كانت مضاءة، كانت كمدينة الأشباح، اول ما خطر ببالي هناك: لعنك الله يا نسور، فأنت من أوصلنا إلى هنا، كان بإمكاننا أن لا نصل فكرهته أكثر.
بأي حق يقوم رئيس حكومة بفعل هذا؟؟ بأي حق يضرب المتظاهرين؟؟ بأي حق يعتقلون؟؟ بأي حق يعذبون؟؟ بأي حق يخنقون بالغاز المسيل للدموع؟؟
العجيب أن هذه الأمور كلها لم تأثر بهمة الشباب والأعجب هي تلك الابتسامة التي رافقت ألمنا وأملنا، فعلياً لم أكن أعلم سرها فالكل كان يضحكون، ربما هم يسخرون منهم، ممن يحاول النيل منهم بأنه لن يستطيع، وأن الحرية تستحق منا أكثر من ذلك.
ولكن كل ذلك لم ينل من عزيمتنا فما نكاد نجتمع حتى يفرقونا بالغاز والماء، ما نلبث إلا أن نجتمع ثانية، وكلما تفرقنا كنت أقف مع الشباب المصابين بسبب الغاز وأقول لهم التعليمات التي قيلت لنا واعطيهم بعضاً من البصل الذي وصلنا حتى يصبحوا بخير، وفي أحد المرات كان الشاب يظهر عليه أنه في غاية التعب فقمت بإعطائه بعضاً من البصل وقلت له "خذ نفساً قصراً وأخرجه طويلاً" وكان لا يستجيب لي فقلقت فعلاً عليه، وقلت له" سامعني شو بحكي، فرد: آه آه، عندما رفعت رأسي بتلك اللحظة ونظرت لمن يقف بجانبي واذا به أحد الشباب الناشطين في العمل المقدسي، تفاجأت وقتها ولكنني فرحت فمعظم العاملين الناشطين للقدس مشاركون في المسيرة وكلنا نعلم أن العمل للقدس لا يتعارض أبداً مع العمل للوطن الذي نحياه وهو الأردن، فقد حملنا وطنان في قلب واحد، سألته إن كان بخير فابتسم بابتسامة لطيفة بالإيجاب. وتبين لاحقاً أنه أنا من حضرت وهو كان واقفاً وربما بسبب الظلام أو قلقي على الشاب لم أنتبه عليه.
من المواقف التي استوقفتني خلال المظاهرة والتي إن دلت على شيء فتدل على وعي الشباب الأردني قبل خروجه للشارع ومعرفته التامة بمعنى الاحتجاج السلمي، أن شاب قام بحمل ما يسمى "طوبة" ورماها أرضاً وحمل منها قطعاً فأحاطوا به الشباب ومنعوه من الحركة وبيده حجر واحد، فلما ألقى بكل الحجارة أرضاً تركوه.
يبدو أن الأوقات التي نقضيها في عمل نحبه تمضي سريعاً أو ربما لا نشعر بالوقت، فقد جئنا لأجل قضية وهدف واضحين، وربما لا نريد العودة إلى بيوتنا إلا وقد حققناهم ولكن الواقع يقول غير ذلك، فصديقتي وأختي "عهود" كانتا مصرتين أن الاوان قد آن لنعود أدراجنا على الأقل حتى لا نكون عبئاً على الشباب، أما عني وأخت صديقتي فكنا نرفض ذلك، وبقينا نسرق الوقت منهما، حتى جاء أخو صديقتي وقال لها بأنه يجب أن تذهبا للمنزل، فيبدو أنني رضخت للأمر الواقع وعدنا أدراجنا.
عندما عدت للبيت كالعادة فتحت الانترنت لأبقى متابعة للأخبار، ثم بعد مغادرتنا بساعة انتهى الاعتصام، ولم تنتهي أحلامنا ولا اهدافنا فهي في كل يوم تكبر بحجم الوطن حتى يصبح قلب كل واحد منا وطناً.

الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

قَليلٌ مِنَ الحُّريَّة كثيرٌ مِنَ الإِنسانيَّة: مِن مُذَكراتي #1



اليوم الأول: الثلاثاء13/11/2012
كنت في ذلك اليوم في الدوام من الساعة 7 صباحاً إلى 7 مساءً، عدت إلى المنزل لاستقبل مكالمة من صديقتي "آمال" لتقول لي: وينك؟؟
- في البيت
- مش عالدوار؟؟
- لا ليش شو في؟؟
- رفعوا الدعم عن البنزين والشباب نزلوا عالدوار
- والله؟؟ مابعرف.. ماحدا حكالي، بدك تروحي؟؟
- لا ابوي مش سامحلي
ببساطة فتحت اللاب توب وبلشت اتابع الأخبار من هون وهون
كنت أجلس في منزلي وأشعر بالخزي لكوني هنا بينما اختار الشباب الأحرار أن يكونوا في الشارع، شعور الجلوس بينما أختار الآخرون الشارع ليعلنوا عن حريتهم وأنهم لن يرضوا بالذل، شعور كأنك خذلتهم، نعم خذلت أبناء وطنك وربما تكون خذلت أقرب الناس إليك وأحبابك وأولادك، فهم قد يسألونك يوماً: لما لم تأخذ لنا حقنا؟؟ لما رضيت بالذل؟؟ أتيح لك أن تجلب لنا الحرية وخنعت؟؟
وشعور من نزل إلى الشارع كمن أردا استرداد كرامة شعب بأكمله ولكن العتب على الشعب الذي خذله، ولم يحتفظ حتى ببقايا كرامة
حاولت إقناع أمي فرفضت، وأمضينا الوقت أنا و"آمال" نحاول اقناع أهلنا إلا أن الرفض كان الجواب الحتمي.

لم نذهب وكنا نشعر بالخذلان يرافقنا، ولكنه أمر وانقضى وقد يكون الغد لنا.
وكنت أخاف النوم، في مثل هذه الحالات النوم بالنسبة لي كالغياب عن الحياة فأخاف أن يحدث شيء عظيم ويضيعه علي النوم ولكن كان يجب أن أنام لأجل غدٍ أكون فيه، وبالفعل استيقظت فجراً لأعلم ان الاعتصام تم تفريقه بالقوة مع وجود اعتقالات، ولكن هل نصمت؟؟
هل يرهبوننا؟؟ بالطبع لا
ليكون يومهم التالي وبالاً عليهم

الخميس، 29 أغسطس 2013

ألحان قلبية


الموسيقى:ذلك الشيء الذي يخرج كل ما في داخلك من مشاعر: غضب، فرح، حزن أو حتى ألم
ينقلك من عالم الأشياء والضوضاء إلى عالمك أنت حيث تلتقي بروحك
تشعرك بأن كل شيء ممكن فلا داعي لليأس ولا داعي للألم... فكل شيء سيكون على ما يرام
تملأ قلبك حباً، شوقاً وعشقاً... وتخبرك أن حبيباً ينتظرك ولا بد لقلوبكم من أن تتلاقى
وتخرج لحزن الدفين في داخلك والذي عجزت عن إخبار كثييييييير من الناس عنه
عجيب أمرها قريبة حتى أنها تلامس شغاف قلبك
بعيدة كأنك لا تعرفها
جميلة كالعروس الحسناء التي تزينت لحبيبها
قبيحة كتلك التي أكلت أولادها
لا تكتفي بأن تخرج كل التناقض الذي في داخلك بل تجعل من نفسها كذلك
وتروي روحك بكل تلك التناقضات
إنها ككلماتي التي أكتبها الآن ولا أفهم منها شيئاً
علا المصري
خفقات
19/8/2013