الجمعة، 15 نوفمبر 2013

قَليلٌ مِنَ الحُّريَّة كثيرٌ مِنَ الإِنسانيَّة: مِن مُذَكراتي #2



اليوم الثاني: 14\11\2012 الأربعاء
لأجل الحرية والكرامة، لأجل الوطن، لأجل المعتقلين، وقبل ذلك لله، فهو من قدر أن أكون مجازة في هذه الفترة لأشارك في تحرير وطني، خرجت من المنزل وقد أخبرت أمي أن لا تسأل عني فأنا ذاهبة للوطن.
قبل أن نخرج للمسيرة كان هناك اجتماع لدي الساعة 3 وكانت الأنباء تتضارب على وقت المظاهرات بين الساعة الرابعة والسابعة إلى أن كلمتني "آمال" وأخبرتني أن سلطان العجلوني قد كتب على صفحته أنها في السابعة.
لا أذكر يومها أنني فقهت في الاجتماع شيئاً، فالوطن بالنسبة لي أكبر من استيعابي ولا أذكر أن هاتفي المحمول قد صمت، وتوالت المكالمات لترتيبات الخروج بينما كانت "عهود" تنتظرني في نفس المكان ولكن خارج الاجتماع، وكانت هي أيضاً كانت ترن علي لنذهب ومضى الوقت وانتهى الاجتماع وكان بالنسبة لي قرناً من الزمان.
خرجت أنا وعهود وفاطمة، وكان على الفيس بوك قد أخبروا بأغلاق دوار الداخلية بالدرك والدبابات ومنع المواطنين حتى من السير فيه، وأن علينا أن نعتصم حيث توصلنا أرجلنا، وفعلا وصلنا دوار الداخلية من عند شارع الاستقلال.
في الطريق إلى هناك التقينا بفتاتين وهن صديقات أختي "عهود" فسألناهم عن الوضع، لإجابتا بأنهن كانتا في منطقة فندق الريجنسي وكان الوضع ما بين كر وفر حتى تفرقوا، فما كان جوابنا إلا: اذهبوا يا رفاق فقد حان دورنا.
حين وصلنا هناك كان عدد الشباب بالعشرات والفتيات والله أعلم لم يتجاوزوا العشرون، وبدأ الشباب بالتجمع أكثر، العجيب والذي كان دوماً يثير استغرابي عندما يكون المتظاهرون بالعشرات على سبيل المثال فلم يكون عدد الدرك بفوقهم مرات بمرات؟؟ ولم يستخدمون ضدهم أسوء وسائل التفريق؟؟
هل يستحق الشعب من حكومته هذا الشيء؟؟
كلمتني صديقتي وهي قرب دوار الداخلية من جهة جبل الحسين وأخبرتني ان هناك كر وفر بين الدرك طبعاً والمتظاهرين فقلت لها ان استطعت تعالي إلى هنا لنكون معاً وفعلاً أتت هي وأختها.

وبينما نحن نهتف إذ بسيارة الماء "المضغوط" تقترب منا، فعدنا إلى الخلف حتى يستطيع الشباب الهرب، والذي حدث هو رش المتظاهرين بالماء ورش الغاز المسيل للدموع، لأول مرة في حياتي أمر في هذا الموقف وربما إيذائه النفسي أكبر من الجسدي، فلم يقوم أبناء وطني وهم إخوتي بفعل هذا بي؟؟
ألم نخرج لأجل بقايا كرامة أضعناها؟؟
لم أعرف كيف نتعامل مع الغاز المسيل للدموع ولكني عرفت أنه ينبغي علي أن أغطي أنفي وفمي وفي أثناء ركضنا كان الشباب يصرخون بصوت عالي، لا تفركوا أعينكم بأيديكم، لاتضعوا الماء على وجوهكم، وكانوا ينادون من هم في المنازل ليعطونا البصل، كانت معنا فتاة تسمى "أسحار" وهي صديقة لفاطمة ثم أصبحت صديقة لي أيضاً، كانت قد استنشقت الكثير من الغاز المسيل للدموع فعاوننا الشباب بأن أعطونا البصل لنعالجها، وتحسنت بفضل الله، الغريب أن البصل الذي طالما أن كان سبباً في دموعنا هو اليوم يمسحها.
وماهي إلا دقائق معدودة وبدأ الشباب يهتفون "ارجع،ارجع" وعدنا اجتمعنا معاً، وصلى الشباب العشاء في الشارع، وهو أجمل منظر قد تراه عيناك، فقد تلحف الشباب تراب الوطن، وأعلنوها من هاهنا أننا نعشق ترابك كما أمرنا ربنا.
 وقرر الشباب وقتها أن نذهب لجبل الحسين لننضم إلى المسيرة التي كانت هناك لانها أكبر وما إن بدأنا المسير حتى بدأ الدرك بضرب الشباب ورمي الغاز المسيل للدموع، ركضنا جميعنا نحو الأسفل، واختبئنا نحن الفتيات في ساحة أحد العمارات، ثم جاء النداء "ارجع...ارجع" فعدنا أما هذه المرة فقرر الشباب أن يصلوا دوار فراس ولكن بطريقتهم فسرنا بعكس اتجاه الدرك اي نحو أسفل شارع الاستقلال، ودخلنا جبل الحسين من الاسفل وجبناه حارة حارة ونحن نهتف لأجل الوطن أما أحب الهتافات إلى قلبي فقد كان:
حرية من الله غصبن عنك عبدالله
هي يالله وهي يالله وما بنركع إلا لـ"الله"
ووصلنا دورا فراس ولو رأيت المنظر الذي رأيت لظننته بلداً مهجوراً تركه أهله ورحلوا، الشوارع فارغة إلا من الدخان، حتى لا أذكر أن الشوارع كانت مضاءة، كانت كمدينة الأشباح، اول ما خطر ببالي هناك: لعنك الله يا نسور، فأنت من أوصلنا إلى هنا، كان بإمكاننا أن لا نصل فكرهته أكثر.
بأي حق يقوم رئيس حكومة بفعل هذا؟؟ بأي حق يضرب المتظاهرين؟؟ بأي حق يعتقلون؟؟ بأي حق يعذبون؟؟ بأي حق يخنقون بالغاز المسيل للدموع؟؟
العجيب أن هذه الأمور كلها لم تأثر بهمة الشباب والأعجب هي تلك الابتسامة التي رافقت ألمنا وأملنا، فعلياً لم أكن أعلم سرها فالكل كان يضحكون، ربما هم يسخرون منهم، ممن يحاول النيل منهم بأنه لن يستطيع، وأن الحرية تستحق منا أكثر من ذلك.
ولكن كل ذلك لم ينل من عزيمتنا فما نكاد نجتمع حتى يفرقونا بالغاز والماء، ما نلبث إلا أن نجتمع ثانية، وكلما تفرقنا كنت أقف مع الشباب المصابين بسبب الغاز وأقول لهم التعليمات التي قيلت لنا واعطيهم بعضاً من البصل الذي وصلنا حتى يصبحوا بخير، وفي أحد المرات كان الشاب يظهر عليه أنه في غاية التعب فقمت بإعطائه بعضاً من البصل وقلت له "خذ نفساً قصراً وأخرجه طويلاً" وكان لا يستجيب لي فقلقت فعلاً عليه، وقلت له" سامعني شو بحكي، فرد: آه آه، عندما رفعت رأسي بتلك اللحظة ونظرت لمن يقف بجانبي واذا به أحد الشباب الناشطين في العمل المقدسي، تفاجأت وقتها ولكنني فرحت فمعظم العاملين الناشطين للقدس مشاركون في المسيرة وكلنا نعلم أن العمل للقدس لا يتعارض أبداً مع العمل للوطن الذي نحياه وهو الأردن، فقد حملنا وطنان في قلب واحد، سألته إن كان بخير فابتسم بابتسامة لطيفة بالإيجاب. وتبين لاحقاً أنه أنا من حضرت وهو كان واقفاً وربما بسبب الظلام أو قلقي على الشاب لم أنتبه عليه.
من المواقف التي استوقفتني خلال المظاهرة والتي إن دلت على شيء فتدل على وعي الشباب الأردني قبل خروجه للشارع ومعرفته التامة بمعنى الاحتجاج السلمي، أن شاب قام بحمل ما يسمى "طوبة" ورماها أرضاً وحمل منها قطعاً فأحاطوا به الشباب ومنعوه من الحركة وبيده حجر واحد، فلما ألقى بكل الحجارة أرضاً تركوه.
يبدو أن الأوقات التي نقضيها في عمل نحبه تمضي سريعاً أو ربما لا نشعر بالوقت، فقد جئنا لأجل قضية وهدف واضحين، وربما لا نريد العودة إلى بيوتنا إلا وقد حققناهم ولكن الواقع يقول غير ذلك، فصديقتي وأختي "عهود" كانتا مصرتين أن الاوان قد آن لنعود أدراجنا على الأقل حتى لا نكون عبئاً على الشباب، أما عني وأخت صديقتي فكنا نرفض ذلك، وبقينا نسرق الوقت منهما، حتى جاء أخو صديقتي وقال لها بأنه يجب أن تذهبا للمنزل، فيبدو أنني رضخت للأمر الواقع وعدنا أدراجنا.
عندما عدت للبيت كالعادة فتحت الانترنت لأبقى متابعة للأخبار، ثم بعد مغادرتنا بساعة انتهى الاعتصام، ولم تنتهي أحلامنا ولا اهدافنا فهي في كل يوم تكبر بحجم الوطن حتى يصبح قلب كل واحد منا وطناً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق